--------------------------------------------------------------------------------
إننا نعلم أن الجن مخلوقات مثلنا، حجبهم الله عنا، نؤمن بوجودهم، لا نراهم إنما يرونا، ولكن هل هناك
أشباح..؟ ماهي اشكالهم.. ماذا يفعلون..؟! هل لهم عيون.. وأذرع وأرجل..؟! هل لهم افواه.؟
هل يأكلون.. هل يتكلمون..؟! هل هم مجرد أطياف تسبح خارج الغلاف الجوي..؟ أو تزحف تحت
سطح قشرة الأرض..؟! هل هذه الأشباح صديقة لطيفة، أم تكره الناس والبشر..؟ وتنشر الرعب في
القلوب والأفئدة. ولكي لا أدخل في جدال بيزنطي بلا نهاية ؛ أبدأ بسرد هذه القصة التي دارت حوادثها
قرب قرية صغيرة في أحد المقاطعـات الكندية، وقد تصلح غرائب هذه الواقعة لتكون مادة جيدة يلهث
عليها مخرجي أفلام الرعب..
... شابٌ يقف على قارعـة الطريق ينتظر مرور أي حافلة تنقله إلى قريته أو قريباً منها؛ ريحاً عاصفة
تصفع وجنتيه.. وتجعل عينيه ترتعش مع كل محاولة لفتحهما.. الليل بدأ بالهبوط مبكراً، لا عن ساعة
متأخرة، إنما سواد الغيوم بدا ينقض على السماء ينهش زرقتها ويلتهم جسدها بقسوة ووحشية سريعة.
انتظر الشاب دقائق، ولم تظهر أي بارقة أو نذير يدل على اقتراب حافلة، ففضل أن يواصل المشوار سيراً
إلا أن يحالفه الحظ بسيارة قادمة... خاصة أن حبات كبيرة من المطر بدأت تسقط بشكل متقطع منذرة
بقدوم عاصفةٍ قد تكون أوحش من خيال الأشجار التي ترتسـم على جانبي الطريق الخالي.. وبدأ يعدُّ
خطواته سائراً فوق الخط الأصفر المرسوم على جانبي الطريق؛ الذي يطمئنه ويهديه بأنه مازال سائراً على
طريق معبد وليس بمستنقع، فالضباب انتشر والتف حول خاصرته، والمطر يعزف انشودة مرعدة غاضبة.
من الظلام والعاصفة... انبعث فجأة ضوء سيارة تسير ببطء وكأن الجو كبح فراملها، لم ينتظر الشاب
أن تقف السيارة، فقد فتح الباب الأمامي، وقفز رامياً نفسه على المقعد؛ سارع بمسح وجهه الذي اضناه
المطر والهواء البارد، ورفع عينيه ليحدث السائق.. لم يدري وقتها هل أطلق صرخة أم الخوف لجم لسانه،
لكنه أحس أن الدم قد تجمد في عروقه، وأن قلبه على وشك أن يتوقف عن الخفقان. لم يكن هناك أحد
يشغل مقعد السائق ويقود السيارة، لم يأت بساكنة، ولم يحاول أن يلتفت مرة ثانية إلى مقعد السائق إلى أن
شـاهد من خلال الأضواء الخافتة التي تنشرها مصابيح السيارة بأشعة تعاند الضباب، والظلام والمطر أن
السيارة تتجه نحو منعطف طريق حاد، ولم يبقى لحظات إلا والسيارة تنتهي إلى هاوية لا يعلم إلا الله نهايتها
.. من نافذة السيارة.. امتدت ذراع مبتورة حركت المقود في الإتجاه السليم بعيداً عن الخطر واختفت..
تجمد الشاب في مقعده، دقات قلبه تتسارع بخوف لم يعهده من قبل، حبيبات العرق تتوالد في كل مسامات
جسمه رغم العاصفة ولسعة الهواء القارصة الداخلة من النافذة المفتوحة..
تكرر المشهد... كلما تقترب السيارة من منعطف، تمتد الذراع من النافذة وتحرك مقود السيارة إلى الإتجاه
الصحيح، أخيراً.. بمحاولات يائسة أضناها الخوف والرعب استطاع الشاب أن يحرك يده المرتعشة، ويفتح
الباب بقبضة مرتجفة، وبدون أن ينظر إلى السـيارة التي يقودها الشبح، أطلق ساقيه بالجري بما أتاه من قوة
زادها الهلع دفعاً، وحلاوة الروح سرعة؛ ولم يتوقف إلا عند وصوله لقهوة القرية وارتمى على أحد مقاعدها
لاهثاً، مرتعداً.. هرع إليه النادل، يربت على كتفه، يسأله عن مصابه محاولاً تهدئة روعه.. بدأ الفتى يقص
ماحدث معه بصوت مبحوح صادر من فوه يسيل الزبد من شدقيه، ووجه زاد الخوف من شـحوبه وبياضه
وتقاطعت عباراته بشهيق وزفير نائح... وأجهش بالبكاء مما أدار له انتباه رواد القهوة جميعاً. كانت القصة
من الصعب أن تصدق؛ لكن بكاء الشاب والخوف المحفور على وجهه، وارتعاش بدنه كان بالغ الأثر في نفوس
الرواد، حتى أن بعضهم أحس بقشعريرة تسري في بدنه، والقى بعض الحاضرون نظرة نحو باب القهوة باحثين
عن اشباح.. ولهول المفاجأة ظهر شبحان خلف الباب الزجاجي، اقتحماه بسرعة، أعادت بظهور الرواد إلى
الوراء نحو الحائط من الهلع؛ لكنهم تنفسوا الصعداء عندما رأوا أن الحاضران هما رجلان أحدهما متقدم بالعمر
والأخر اصغر سناً يشابهه بالملامح غارقين من أعلى الراس إلى أخمص القدم بمياه الأمطار والأوحال...
وقفا القادمان لبرهة يرمقان رواد القهوة.. ووقع نظر الرجل الكبير على الشاب المرتعد الخائف فالتفت إلى
رفيقه وأشار ناحية الشاب وقال له: انظر يا ابني؛ هذا هو الحمار الذي قفز إلى سيارتنا المعطلة ونحن ندفعها.
موضوع: الاشباح 
السبت نوفمبر 28, 2009 8:10 am
![°~ฒ|¦[ مديرة المنتدى ]¦ฒ~°](https://2img.net/i/itest/ranks/default/default6.gif "°~ฒ|¦[ مديرة المنتدى ]¦ฒ~°")
