غزة الصمود والإباء

الجميع يعرف الشعب الفلسطيني الحر المقاوم الذي يجري بعروقه الدم العربي الأصيل ، يحمل كل معاني القيم النبيلة المشرّفة ، يضع أمام عينيه الشهادة أو النصرولا يستسلم للمحتل 0 إسرائيل لا تزال تواصل أعمالها الإجرامية ضد أهلنا المحاصرون في غزة بعد الحرب التي أشعلتها في كانون الثاني من العام الحالي 0 فقد استشهد منهم الكثيرون وشردت عوائلهم ، واستهدفوا منازل المدنيين الأبرياء بصواريخهم ودمروها على رؤوس أصحابها وبقيوا بلا مأوى و ملاذ آمن يحميهم ومنهم من أصيب بإعاقات دائمة بجسده بسبب الأسلحة المحرمة والقنابل الفسفورية التي كانوا يلقونها عليهم وأغلقوا المعابر لمنع دخول المرضى إلى الدول المجاورة للعلاج 0 وغير ذلك من الأساليب الوحشية والقمعية التي مارسوها ضدهم ومع ذلك لايزالون يستنشقون عبق الانتصار والمقاومة فرفضوا أن يرحلوا عنها يريدون الاستبسال فداء" لعزة وكرامة غزة 0
الأرملة أم محمود إحدى النساء الثكالى التي فقدت ولديها وأحفادها في هذه الحرب ، لقد أنجبتهم وسهرت الليالي عليهم وعلمتهم حتى نالوا الشهادات الجامعية ، ولم تحزن لموتهم لأنهم قتلوا في سبيل الدفاع عن غزة المنكوبة 0 محمود مدرس لغة عربية يدرّس في إحدى مدارس القطاع متزوج ولديه ثلاثة أطفال ، كان ذاهب ذات صباح ليشتري الخبز لأطفاله وصل المخبز واشترى الخبز وعاد إلى منزله ، تناول طعام الإفطار مع عائلته وعندما أصبحت الساعة العاشرة والنصف صباحا" قال لزوجته سآخذ معي فاطمة (وهي ابنته الصغيرة) لنزور والدتي قالت له انتظر قليلا" لكي أبدل لها ملابسها وأمشط شعرها لم تكد أن تنتهي من كلامها حتى سمعوا صوت الطيران يكثف تحليقه فوق ذلك الحي وإذ بصوت انفجار قوي في الخارج فهرعوا مسرعين مع أهالي الحي لينتشلوا القتلى والجرحى من تحت الركام والأولاد لحقوا بهم وهم يبكون من الذعر والخوف 0 لم يبق أمتار قليلة تفصلهم عن المكان الذي سقطت فيه القنبلة حتى عادت الطائرة وألقت قنبلة ثانية وكانوا هذه المرة هم الشهداء 0 أخبر جار محمود والدته نبأ استشهاد ابنها وعائلته وهو خائف ماذا سيجري لها من هول الخبر0 لقد كانت قوية لم تتفوه بكلمة واحدة سوى قوله تعالى (بسم الله الرحمن الرحيم ) (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا" بل أحياء عند ربهم يرزقون ) 0 وأخذت تزغرد والدموع تملأ عينيها عاشت أم محمود وحيدة وهي بانتظار ابنها الدكتور الذي ذهب إلى سوريا ليحضر شهادة اختصاص بإحدى فروع الطب ، اتصل عبد الله بوالدته يريد أن يطمئن عنها وعن عائلة أخيه فأخبرته أنهم استشهدوا ، فقرر عبد الله العودة إلى غزة مع الأطباء السوريين الذين تبرعوا بالذهاب للعمل في مستشفياتها 0 بعد بضعة أيام وصل الطاقم الطبي إلى غزة 0 فور وصولهم منهم من اختار الذهاب مباشرة إلى مشفى دار الشفاء ليروا الأوضاع هناك ومنهم من أكمل طريقه مع عبد الله ليتعرفوا على والدته ، لقد استقبلتهم بكل رحابة صدر وكانت فرحتها عارمة عندما رأتهم يدخلون منزلها فجلست تبكي من شدة الاشتياق لابنها 0 مكثوا عندها ثلاث ساعات وطلبوا الأذن بالخروج وقالوا أن لهم عودة مرة ثانية مع بقية الأطباء0 ودّعتهم وذهب عبد الله معهم وكلهم نخوة وشهامة لأنهم جاؤوا لمساندة أخوتهم 0 لقد كان الوضع مأساوي جدا" بسبب انقطاع الكهرباء وأجهزة غرف العمليات لا تعمل إلا بواسطة الكهرباء بالإضافة إلى النقص بالمعدات الطبية والأدوية والإصابات خطيرة 0
بعد أربعة أيام من التعب والعمل المتواصل اتصل عبد الله بوالدته وطلب منها أن تنتظره الساعة السابعة والنصف مساء" لأنه سيأتي إلى المنزل ليقضي ليلته عندها 0 انتظرت أم محمود ابنها ، لقد أصبحت الساعة الثامنة والنصف ولم يأت ، سمعت صوت سيارة قد توقفت قالت بينها وبين نفسها أنه قد وصل ولكنه لم يفتح ويدخل ، فتحت الباب بنفسها وخرجت لتتأكد من هو صاحب السيارة التي توقفت أمام منزلها أهو ابنها ؟ فصعقت عندما رأته ممددا" أمام الباب ومقتولا" بالرصاص في رقبته 0 لقد قتلوا ابنها الطبيب التي كانت ترى فيه فرحة عمرها فأخذت تصرخ والتمت جيرانها على صوتها يحاولون تهدئتها وهي تصيح الحمد لله الذي شرفني باستشهاد أولادي حتى وقعت بالأرض 0 هذه إحدى حكايات شعبنا في غزة ، الذي سطّر بدمائه ملاحم البطولة وأصبح منارة " تهدي الأجيال القادمة إلى طريق التحرير فأعطى العالم دروسا" بالنضال والكفاح 0